-A +A
أنمار مطاوع
عند إحدى الإشارات المرورية في ظهيرة مدينة جدة، توقف باص (9 راكب).. كان بداخله 16 عاملا متكدسون تضيق بهم الأنفاس.. بدون تكييف. ومن الواضح أن إهدار الكرامة باد على الوجوه. وهذا في حد ذاته مؤشر على نوعية الحياة التي يعيشونها.. فإذا كانت هذه طريقة النقل، فلنا أن نتخيل المكان الذي يعيشون فيه، ونوعية الطعام الذي يقدم لهم.. والراتب الذي يحصلون عليه. (.. وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِناً).

المشهد لا يحتاج لكثير من التفصيل، فالضمائر يعلمها الله، لكننا نعرف جميعا موقف الإسلام من هذه الحالات ممثلة في سنة رسولنا صلى الله عليه وسلم. فقد كان عليه السلام قدوة في الرحمة تصديقا لقول الله سبحانه وتعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» (الأنبياء 107). فمن رحمته التي شملت العالمين، كانت رحمته بالعمّال والخدم. فكان عليه الصلاة والسلام أنموذجا لمعاملتهم معاملة إنسانية؛ من شفقة وبر وتواضع معهم، وتخفيفا عليهم في العمل ومساعدتهم فيه.. وكأنهم أفراد من أهل بيته الكرام.. فوجّه بجعلهم إخوانا لمن يعملون لديهم، قال عليه السلام: (.. إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس..).


وحقوق العمال في سنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم واضحة؛ مثل: المسارعة في صرف أجرهم؛ كما في الحديث القدسي، من الثلاثة الذين يكون الله عز وجل خصمهم يوم القيامة: (.. ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره). كما حذر عليه السلام من إيذائهم؛ مثل ضربهم أو الدعاء عليهم أو إهانتهم.. عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غلاما لي، فسمعت من خلفي صوتا: اعلم أبا مسعود.. لله أقدر عليك منك عليه.. فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله، فقال عليه السلام: أما لو لم تفعل للفحتك النار.

الأحاديث كثيرة في هذا المسار، كقوله صلى الله عليه وسلم: (ما استكبر من أكل معه خادمه..)، و(.. اعفو عنه في كل يوم سبعين مرة)..

هذه التعليمات الإنسانية العالية جاءت في زمن ثقافة قادمة من بقايا الجاهلية، حيث لا إنسانية ولا كرامة للعامل، فمن باب أولى ونحن في نعمة المجتمع الإسلامي أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وضع بعض العمّال يحتاج لتحقيق الحد الأدنى من الحياة الكريمة، فالأنظمة والقوانين في المملكة تكفل تلك الحياة لكل العاملين فيها، والروح الإسلامية في مملكة الإنسانية تضمن لهم حد الإنسانية.

anmar20@yahoo.com